قصة قصيرة بعنوان الغريب

آخر تحديث :
قصة قصيرة بعنوان الغريب

قصة قصيرة بعنوان الغريب

بقلم الميلودي المؤذن

 سبورة حال لونها,معلقة كالمشنوقة على جدار أجرب,لا لون له,وطفلان باليان تتكسر نظراتهما عليها,وترتد إليهما خائرة,لتتحمل بالنور وتعود لتتكسر من جديد. لا تحمل السبورة أية علامة أوكتابة. صارالطفلان أربعة,ستة,تسعة,بل ثلاثة عشر.لغط يرتفع,ورائحة كريهة جعلت تخترق الحجرة في كل الجهات. تحولت نظرات الطفلين عن السبورة ,إلى الوفدين.كل هذه الوجوه الصغيرة, معروفة جيدا لديهما. خارج الحجرة العجوز تعوي ريح خريفية بصوت مرعب.يتحول الصوت المخيف عبر النوافذ إلى هدير قوي يصم الأذان الرقيقة,يبدو أنها ستقتلع كل ما بالقرية من أشجار ونباتات,وهذه زوبعة رملية أخرى تهجم على الحجرة عبرالباب المتهالك و النوافذ العارية من أي حاجز. الغبار يخترق خياشم الصبية,وأفواههم ويعمي عيونهم,ويستنفر كل حواسهم.

اختبأ البعض تحت بقايا طاولات لا تصلح إلا للحرق,و تكدس الآخرون في زاوية شديدة الانحراف.فترت الزوبعة,ثم توقفت تماما.فتح الصبية أعينهم بصعوبة .الدموع تختلط بحبات الغبار الذي يعلو كل نقطة في الأجسام النحيفة. انتبهوا فجأة , فإذا السبورة على الأرض,مهشمة إلى قطع خشبية صغيرة تماثل ألواحهم .زجاج مكسر ,يبدو انه بعض ما كان باقيا في تلك النافذة. كانت الحجرة صغيرة و أرضيتها متسخة, لكنها صارت ألان لا تتميز عن الساحة في شيء.هيكل شخص غريب جدا,يتسرب إلى داخل القاعة,نظارات طبية كبيرة ,تستعمر الجزء الأكبر من وجهه ,و انفه يطل من تحتها كحبة كرز.شعر مغبر,ومبعثر, وذقن لم يحلق لأكثر من أسبوع, حتى صار زغبه كالأشواك. قامة طويلة جدا,وجسد نحيل, كأنه تمثال داخل الملابس الجديدة التي اتسخت بقوة الرياح و طول السفر. غزا القاعة صمت ملحوظ .نظرات إعجاب ,و اندهاش , وفضول تحطمت على هيكل الشخص الغريب. جوارح صغيرة, كلها يقظة ,تنتظر بصبر حذر, أية كلمة أو حركة , أو إشارة مهما كانت صغيرة.

عبر زجاج النافذة المهشم ,كان طفل ينظر ساحة مستطيلة الشكل تقريبا ,تنتصب في وسطها سقاية كتمثال منبوذ لا يلتفت إليه احد.و قد ذهب أكثر بنائها . الصنبور من حديد صدئ تنزل قطراته شحيحة في بطء شديد. امرأتان , تتكئ الأولى على إطلال السقاية الهرمة ,واضعة مؤخرتها فوق كومة من الطين الأسود, و هي تحدق باهتمام في الصنبور كانها تستجديه القطرات. المرأة الأخرى منحنية في هياة الركوع,تتحدث بصوت مرتفع, وعنيف بعض الشيء. الشخص الغريب يتهيأ للكلام. رتب أشياءه المغبرة فوق قطعة اخشاب تشبه المكتب. خلل شعره بأصابعه. عاد الطفل ينظر من زجاج النافذة المكسر بغل يتشمم روث بقر يابس.يهز ذيله القصير ,يلوح بحافريه الخلفيين في الهواء معلنا عن مسابقة الريح.و هذا بغل أخر ابيض لكنه اشد نحافة من سابقه,لم يتشمم الروث ,لم يتوقف, تابع سيره بهدوء, لكن سرعان ما تلاه قطيع كبير, ما بين السبعين أو الثمانين بغلا, بين ابيض و اسود و بني وغيره.

قفزت إلى ذهن الطفل الفكرة التالية إذا كانت البغال لا تتناسل ؟فكيف تتكاثر ؟ الطرقات التي أحدثتها يد الشخص على المكتب, قطعت تفكيره. يبدو أن الشخص الغريب سيتكلم. هيا الجميع حواسهم جيدا ,انتظم الصمت أكثر. كان الشخص الغريب يتحدث,اجل انه يقول شيئا.ملامحه تقول ذلك.و هذه الإشارات التي تصورها فرائصه؟ لكن الغريب هو ان لا احد من الجالسين أمامه يسمع حرفا واحدا. صورة دون صوت. استمر الشخص الغريب يتحدث طويلا, تنقبض ملامحه ثم تنبسط.تضيق عيناه ثم تتسعان.يعب الهواء ملء رئتيه.ثم يخرجه.يظهر ذلك من حركات صدره. القي بتقاطيع وجهه بين كفيه .تحسس زغب ذقنه.

و هب واقفا يتابط أشياءه المغبرة.اتجه نحو الباب بهدوء الذي يفكر.وقبل أن يخرج التفت بحزن ثقيل.التصقت عيناه بمحتويات الحجرة, كأنه ينتبه إليها لأول مرة. كان ينقل نظره باهتمام زائد, موزع بين الوجوه الصغيرة التي تتعلق به, وترجوه أن يتكلم قبل ان تموت الثواني اليسيرة التي بقيت في عمر المشهد الصامت,وبين الكراسي الهرئة, و حطام السبورة و زجاج النافذة, عندما انتشرت جلبة خفيفة بين صبية توحد بينهم ملامح بريئة ,تتطلع لفك لغز الصمت الذي رافق الشخص الغريب.لكن الدموع الدافئة التي انفجرت من عيني الغريب, ولدت لدى الصبية إحساسا عميقا بالحب, و الرغبة في معانقته قبل أن يرحل, وقد وقفوا إجلال و احترام يلوحون باياديهم و الدموع تغزو ماقيهم الصغيرة, وألسنتهم تردد بانتظام مع السلامة , مع السلامة أيها الشخص الغريب. رذاذ مطر بداية الخريف بدا ينزل , ويبلل أطرافهم حيث دخلوا إلى حجرتهم, و اخذوا مقاعدهم في انتظار غريب جديد.و كان الشخص الغريب قد غاب تماما.

 

 

 

الاخبار العاجلة