المكتبة التاريخية الوحيدة بميدلت وضعت على أبوابها أقفال .

آخر تحديث :
المكتبة التاريخية الوحيدة بميدلت وضعت على أبوابها أقفال .

المكتبة التاريخية الوحيدة بميدلت وضعت على أبوابها أقفال .

ميدلت بريس ـــ عن أخبار اليوم  عدد 1466.

ليس وحده الحاضر من يقبر هنا، بل للتاريخ وشخوصه ومعالمه نصيب من الإهمال وعدم التثمين من طرف المسؤولين عن المنطقة، تاريخ عمر لقرون طويلة مقاوما النسيان، لكنه استسلم في الأخير لجبروت الإهمال، فقدم نفسه مكرها ومعه أهالي المنطقة قربانا.  

ففي مكان ما خلف جبل «العياشي»، حيث يرقد جثمان من سمي أحد أشهر قمم الأطلس باسمه. تختبئ زاوية عمرها 475 سنة. كانت لوقت قريب تضم بين جدرانها الطينية 160 أسرة. لكن اليوم لا تزال 9 أسر فقط تقاوم النسيان الذي قهر التاريخ. بين كل هذا مكتبة تفوح منها رائحة الأصول، تسمى مكتبة «أبي سالم العياشي»، والتي تضم كتبا ومخطوطات جمعت من أقصى بقاع العالم، أقدمها يعود إلى قرابة ما قبل 1000 سنة من يوم.

نطرق باب التاريخ المنسي بين أحضان أقصى جبال الأطلس المغربية. المكان «زاوية سيدي حمزة»، التي اشتهرت في الماضي كمنارة للعلم، وتجميع الكتب النادرة في الفقه والأدب والتاريخ، بل وتضم بين جدرانها مخطوطات لعلماء مغاربة وثقوا قبل 450 سنة لحركة النجوم والكواكب.

نطرق باب التاريخ لننقل واقعا همشته كل المصالح المكلفة بحمايته من الانقراض، نطرقه لنتحدث على لسان العارفين به والوارثين لسره مشاهدا من الزمن الغابر، أكوام من التراب متناثرة هنا وهناك، مسالك مظلمة زاد بطش إهمال المسؤولين من ظلمتها، أطلال تقاوم وحدها لتخبر زائرها بأن من مروا يوما من هنا كان لهم شأن في الشرق والغرب، ونقلوا عبر شراء الكتب الأصلية لأشهر علامة عصرهم كنوزا لا تفنى، حاول كثيرون شراءها بالملايين، وحاول آخرون سرقة ما بقي منها نهارا، فيما نجح بعض نافذين في سرقة محتويات مكتبة الزاوية، إما عن طريق الحيلة، إما عن طريق بطش السلطة والاحتماء بالمستعمر.

يحكي «سليمان بن عبد الله» كيف اتخذ قرار تثبيت البابين الحديديين في وسط الممر إلى غرفة المكتبة، «لقد تعرضنا لمحاولة السرقة نهارا، لذلك اتخذ قرار تعويض أبواب العود بأخرى مصنوعة من الحديد»، محاولة السرقة تظهر جلية بسبب الحفرتين اللتين تركهما المتربصون خلفهم على مكان الأقفال، وإن باءت هذه المحاولة بالفشل، فسابقات مثلها نجح منفذوها في السطو على كنوز المكتبة إما بالحيلة، وإما بضغط من جبروت السلطة، فكيف ذلك؟

من بين الكتب الثمينة التي سرقت من مكتبة «أبي سالم العياشي» مجلد كتبه «الإمام مالك» بماء الذهب وسفر بجلد الغزال، سرقة تمت خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، دون أن تعرف وجهته بعد ذلك، بالإضافة إلى ثلاثة عشر كتابا اختفوا بالحلية، وكما يروي «سليمان» الواقعة، فإن شخصية نافذة (ع.ك) وهو من أهل فاس، كان قد زار المنطقة وطلب استعارة تلك الكتب لغاية علمية، في البدء لم يشأ جد «سليمان» منحها إياه، لكن بعد ضغط قوي من قائد المنطقة استسلم لطلبه، ما ترتب عنه اختفاء ما أخذه من كتب ثمينة ونادرة.

واقعة أخرى كانت ستضيع معها كل الكتب والمخطوطات، حين حاول قائد الزاوية في فترة الاستعمار (ع.ب.ع) بيع الكتب جملة واحدة لأحد يهود المنطقة، الذي كان يستقر بمدينة «ميدلت»، هذا الأخير جلب عربة كبيرة لنقل الكتب إلى منزله، لكن مقاومة الجد «عبد الله بن عبد الله» حالت دون إتمام الصفقة، ودفعته الحادثة لطلب الحماية، قبل أن يتخذ قرار إدخال المكتبة في ممتلكات «الأحباس» كي لا تضيع كنوزها، خطوة حمتها كذلك من جشع الورثة الذين طالبوا بعد موت الجد «عبد الله بن عبد الله» بنصيبهم من التركة بعد بيع الكتب والمخطوطات.

ولم تكن محاولة شراء مجموعة من اليهود لمكتبة «العياشي» الوحيدة، بل سبقتها عمليات أخرى نجحوا فيها في اقتناء كتب بكل من مدينة «الريش» (نواحي مدينة الراشدية) وكذلك محتويات مكتبات أخرى كانت تتواجد بالزاوية وفي منطقة «تازروت».

تحتوي المكتبة اليوم على 1200 مخطوطة ومجلد وكتاب، بعد أن ضاع ثلث ما كانت تحويه في السابق، وما لم يسطو عليه الطامعون، أتلفته مياه الأمطار.

خلال زيارتنا للقصر عاينت « اليوم24» بناية عصرية شيدتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سميت بـ»مكتبة العياشية»، يقال إنها ستكون المحتضن المستقبلي لما تبقى من كنوز الزاوية العلمية والفقهية والأدبية، لكن ما هو مصير الأصل؟ لا جواب إلى حدود الآن، وواقع الحال يخبر العابرين من هنا أن مصير الغرفة الصغيرة التي احتضنت مجلسنا سيكون كحال باقي المنازل والمرافق المنهارة، داخل رقعة جغرافية لو شاء المسؤولون في وزارة الثقافة وزملاؤهم في وزارة الأوقاف أن يجعلوا منها منارة سياحية وعلمية، لقدموا بذلك خدمة اقتصادية واجتماعية لأحفاد من صنعوا مجد «زاوية سيدي حمزة».

الاخبار العاجلة